حول الموت والحياة
إن فكرة الموت ما تزال تخايل لك ، فتتصورينه في كل مكان ، ووراء كل شيء ، وتحسبينه قوة طاغية ، تُظِلُّ الحياة والأحياء ، وتَرَيْنَ الحياة بجانبه ضئيلة واجفة مذعورة .
إنني أنظر اللحظة فلا أراه إلا قوة ضئيلة حسيرة ، بجانب قوى الحياة الزاخرة الطافرة الغامرة ، وما يكاد يصنع شيئاً إلا أن يلتقط الفتات الساقط من مائدة الحياة ليقتات ! …
مَدُّ الحياة الزاخر هو ذا يعج من حولي ! … كل شيء إلى نماء وتدفق وازدهار … الأمهات تحمل وتضع ، الناس والحيوان سواء . الطيور والأسماك والحشرات تدفع بالبيض المتفتح عن أحياء وحياة … الأرض تتفجر بالنبت المتفتح عن أزهار وثمار … السماء تتدفق بالمطر ، والبحار تعج بالأمواج … كل شيء ينمو على هذه الأرض ويزداد ! .
بين الحين والحين يندفع الموت فينهش نهشة ويمضي ، أو يقبع حتى يلتقط بعض الفتات الساقط من مائدة الحياة ليقتات ! … والحياة ماضية في طريقها ، حية متدفقة فوارة ، لا تكاد تحس بالموت أو تراه !…
لقد تصرخ مرة من الألم ، حين ينهش الموت من جسمها نهشة ، ولكن الجرح سرعان ما يندمل ، وصرخة الألم سرعان ما تستحيل صيحة مراح … ويندفع الناس والحيوان ، والطير والأسماك ، والدود والحشرات ، والعشب والأشجار ، تغمر وجه الأرض بالحياة والأحياء ! … والمـوت قابع هنالك ، ينهش نهشة ويمضي … أو يتسقّط الفتات الساقط مـن مائدة الحياة ليقتات !! .
الشمس تطلع ، والشمس تغرب ، والأرض من حولها تدور ، والحياة تنبثق من هنا ومن هناك … كل شيء إلى نماء … نماء في العدد والنوع ، نماء في الكم والكيف … لو كان الموت يصنع شيئاً لوقف مد الحياة ! … ولكنه قوة ضئيلة حسيرة ، بجانب قوى الحياة الزاخرة الطافرة الغامرة …! .
من قوة الله الحي ... : تنبثق الحياة وتنداح !! .
من رسائل الشهيد(سيد قطب)
لاخته قبل الاعدام
الرساله رقم(1)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق